الخميس، 19 يوليو 2012

امــــرأة مــن الــجــنّــــة (1)

                                               
                        وعن امرأة من الجنة..أحكيكم

      أُمّ نَـــفِــيــــسَــــــــــــــة (1)
                                               ________________________________________
"لا اله الا الله..محمّد رسول الله..توفّى إلى رحمة الله تعالى..عمّ الحاج أحمد بندق..والطّلعة الساعة عشرة ..والبقاء لله..!!"

كان هذا هو النداء الذى صدعت به المآذن فى يوم مضى عليه ما يقارب العشرين عاماً من الآن..كنت طفلاً يلهو بكل براءة ..وكان يُخيفنى جداً صوت أمثال هذه الندآءات فى قريتى الصغيرة جغرافياً.. والكبيرة  معنوياً فى قلبى..كنتُ أضع يدىّ على قلبى حين أسمع نداءاً يبدأ بالتشهّد..؟ فأحدهم توفّى..أو" يآآا أهل البلد.."...؟؟.فأحدهم يستغيث أو يُحذّر..وفى كلٍ كان هذا يكسر الإيقاع الهادئ..لبلدة ريفية صغيرة ..فقط أطلّت التكنولوجيا فيها برأسها الفضولىّ..ما بعد الألفية الثالثة بقرابة العشر سنوات..
بكل عفوية الأطفال نظرتُ بجانبى بحثاً عن مَن يطمأننى ..؟فوجدت (رمضان)..ولم أكن أعلم أن القدر يُخبئ له دوراً فى الأحداث لاحقاً..!!
- هوّا مين عمّ الحاجّ أحمد دا يا رمضان؟
- انت بجد مش تعرفه.؟!
-لا..انا قلقان لوحدى ..أرجوك  قول  هوا مين؟
- دا عمّ أحمد جاركم..؟
- يانهار أسود..!مات كيف؟ ومات يعنى ايه ؟ ومعنى كدا مش  هانشوفه تانى؟
كان عمّ الحاجّ أحمد بندق - رحمه الله - رجلأً قصير القامة..مكافحأً..تبدو عليه ملامح الجِدّ..لكنه كان يرسم الضحكة بوقار على من حوله..!
تزوج عم احمد من بطلة كلماتى ..من امرأة من الجنة..من زوجة صالحة..من مَن أتت من زمن الحب..
أم نفيسة..هذه السيدة التى أثق فى الله اولا وفى شهادة العالمين لها بأنها ..
الآن فى الجنة
ولمن تكون الجنة ..؟! إن لم تكن لـ: أم نــفــيــســـة..؟؟!!
كانت هذه السيدة -ومؤخراً عرفتُ أن أسمها..(رِضَا) !!! - لا تسعفنى ذاكرة الحروف ولا ما قرأته وتعلمته..لأجد وصفاً يليق بها..
دعونى أصف لكم حالها وحياتها وبعدها لكم الحكم..
* أبوها..رجل حكيم  كريم نقىٌ.. بلغ كرمه أنه كان يترك الضيف دقائق فى حجرة من بيته ويأخذ هو أحد قطع أثاث الحجرة الاخرى..؟!
ثم فى عجلة يبيعها ويأتِ بالطعام والشراب ما لذّ منه وطاب للضيف..؟
أليس لمثل ذلك الأبّ أن يلد بنتاً تأخذُ بيده إلى الجنّة..؟؟
* أمها..امرأة شريفة طيبة القلب..صابرة..شاكرة..وجمعت كل هذا فى جينات الخير لكل بناتها..وبالأخصّ..أم نفيسة..
عاونت أباهم على فقره وعلى مصائب الزمان للكرماء أمثاله..لم تتأفّف ..بل رأيتها حين أصابها المرض اللعين ..
المسمّى بالالتهاب الكبدى المزمن..وقد انتفخت أعضائها فيما يسمّى بالاستسقاء..
ولا تحزنوا..فقد كانت ذو وجهٍ ملائكى ..وقلب أبيض..يشعّ الطمأنينة على ما بعد موتها وراحتها من عناء وفناء الدنيا..؟!
أليس لمثل تلك الأمّ أن تلد بنتاً تأخذ بيديها إلى الجنة..؟؟
* أخواتها..فكلهنّ بنات لا ذكور..لكن رجالٌ فى الشهامة..الواحدة منهن تزن ألف رجل..أرواحاً نقية..قلوب طاهرة حقاً..
وهى الاصغر والأكثر ألماً وصبراً والاكثر ابتلاءاً وشكراً..
أليس لهنّ ولها أن يأخذن بأيدى بعضهنّ الى الجنة..؟؟
* زوجها ..عمّ الحاجّ أحمد..حدثتكم عنه..ولكن حين وفاته..لم يكن يملك من القوت إلا القليل..ويمتهن مهنة كثُر ممتهنيها فى ذاك الزمان..
وتلك الظروف ..الاقتصادية المريرة - لا أعادها الله - ..
دكّان صغير لا يتجاوز المتر فى المترين..به بعض حلويات الأطفال..وكل فجرٍ يبيع لهم بعض الطعام يفرحون به فى صباحات دراستهم..- وكنت أولهم - .
أفرح بطلعتى من بيتى لاجد طلعته هو وزوجته..يقتربان فى جلستهما ليعطى كل منهما للآخر بعض الدفئ الذى
لم تعطه الأيام ولم يمنحه الجوّ البارد القارس..
وافت عمّ الحاجّ أحمد المنية ..تركها شابّة..جميلة..مرحة ..محبوبة..
إلا أنه ترك لها بنتين ..وولد.. و..وجنين فى بطنها..
 يتبع
فالبقية..تأتى..!!

هناك تعليقان (2):

  1. جميل العيش في بلدة صغيرة تجد فيها ارواحاً طاهرة تترك اثاراً من نقاء
    جمعتهم المحبة و الأخوة و النفس الطيبة .. و لا أقسى من أن تُكسر الطفولة
    بخبر موت أحدهم ينالُ في قلبه حيزٌ كبير
    مؤلمة و الله حَد تهشم الذاكرة من نسيانها فتكتبها لنا الآن .. أي قسمةٍ ضيزى تعطينا إيها يا دنيا !!
    يا سيدي الأنيق كلماتك جميلة جداً رغم رنين الألم بها
    أحببتها كثيراً فهي تصف اشخاص نادراً ما نصادفهم في حياتنا
    و بانتظار البقية :")
    لروحكَ فيضٌ من نور
    طبت

    ردحذف
  2. مساء الغاردينيا
    أجزم أنها أنثى رائعة طالما كان لها ذلك الأب وتلك الأم وبالطبع سيكون أبنائها كذلك لابد أن زوجها مات وهو راضٍ عنها وماأجمل أن تكون الزوجة طاهرة حنونة طيبة وفية لزوجه ولبيتها..لازلت أنتظر معك حكاية أم نفيسه سردك رائع وجميل وطعمته بحكاية لك حين كنت طفلا ً لذلك هي قصة عالقة في الذاكرة هكذا نحن وطفولتنا لاتغادرنا أبداً "
    ؛؛
    ؛
    كل عام وأنت بخير
    لروحك عبق الغاردينيا
    كانت هنا
    reemaas

    ردحذف